عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 31/01/2013 العمر : 25 الموقع : https://a-ibda3.mam9.com/
موضوع: نفحة عبير من سيرة البشير النذير3 الخميس يناير 31, 2013 12:42 pm
الوحي وتبليغ الرسالة
ما كان النبي صلى الله عليه وسلم في تعبده وتحنثه ينتظر النبوة أو يترقبها، بل لم تكن تخطر على باله كما ذكر الله تعالى في كتابه حيث قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
بعث صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنةً كما في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: (( أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنةً، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنةً، ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي صلى الله عليه وسلم )).
وكان ذلك في شهر رمضان المبارك كما في رواية البخاري في كتاب بدء الوحي. وقد جاور في الغار تلك السنة شهراً كاملاً كما ورد في صحيح مسلم.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها في ذكر بدء الوحي قالت: (( أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم (وفي رواية أخرى (( الصادقة )))، فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح )).
ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل أن ينـزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها. حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}.
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة. وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي )).
وَقِفْ أخي مع كلمة: (( وفجأه الوحي )) لتعلم كيف تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حال عزلته وتحنّثه وخلوته فيدخل عليه شخص غريب بصورة عجيبة ثم يضمه إليه ويقول إقرأ. لاشك أنه بقي خائفاً وهو علامة على ثباته صلى الله عليه وسلم. وهكذا من تحمل هذا الدين ينبغي له أن يصبر ويعلم أنه لم يصل إليه إلا بعد تعب ونصب قاسى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافاً من العنت والتعب.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنـزيل شدةً، وكان يأتيه في اليوم الشاتي فيتفصّد جبينه عرقاً، وقد كادت رِجْل زيد بن حارثة أن ترتض لما نزل الوحي ورأسه على رجله.
وفي مسلم عن عبادة بن الصامت: (( كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه وغمض عينيه )).
تبليغ الرسالة
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة وتبليغ ما أنزل إليه فبدأ بدعوة من يثق به سراً عن سماع المشركين، ومكث على هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين مسراً بالدعوة منذ أرسله الله حتى بادأ قومه بالدعوة، يدعو سراً من يثق به من بني قومه، حيث لم يأمره الله تعالى بالجهر بالدعوة والصدع بها.
وكان المسلمون جميعاً يكتمون إسلامهم ويخفونه عن أقوامهم وأهليهم. روى البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد: (( إذا كان رجل ممن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل )).
ولسرية الدعوة حكم عظيمة وفيها دروس وعظات ومنها:
1- التخفيف على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يواجه العدوّ وحده من أول يوم مع فقدان الناصر.
2- استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة أن يستقطب أتباعاً وأنصاراً للدعوة تمكن من تربيتهم والعناية بهم فكانوا خير عون وسند له بعد الجهر بالدعوة، وهم الذين قامت عليهم الدعوة إلى الإسلام، فكانوا هم البنية الأساسية والقاعدة الصلبة والعمود الفقري للدعوة إلى دين الله عز وجل.
3- إن الإسرار بالدعوة أمر مرحلي واستثنائي لظروف وملابسات خاصة هي ظروف بداية الدعوة.
وعلى هذا فإن الإسرار بالدعوة كلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم مخالف للأصل الثابت المستقر، فلا يجوز اللجوء إليه إلا عند الضرورة، أما الإسرار بما سوى ذلك من الوسائل والخطط والتفصيلات فهو أمر مصلحي خاضع للنظر والاجتهاد إذ لا يترتب عليه كتمان للدين، ولا سكوت عن حق، ولا يتعلق به بيان وإبلاغ.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حتى بعد أن صدع بالدعوة وأنذر الناس وأعلن النبوة ظلّ يخفي أشياء كثيرة لاتؤثر على مهمة البلاغ والبيان، كعدد أتباعه، وأين يجتمع بهم؟ وما هي الخطط التي يتخذونها إزاء الكيد الجاهلي، ومن أمثلة ذلك قصة الهجرة، وقصة أبي ذر وعمرو بن عبسة.
السابقون إلى الإسلام
إن من النتائج الطبيعية لحداثة الدعوة وسرّيتها أن يكون أتباعها أفراداً معدودين.
ولا ريب أن أول من تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وعلي بن أبي طالب الذي كان تحت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وكفالته وكان صغيراً لا يتجاوز العاشرة من عمره، وأبو بكر صديق النبي صلى الله عليه وسلم وجليسه وكان رأساً مقدماً ومكرماً لدى قريش إليه المرجع في أنسابها، وكان تاجراً صاحب مال محبباً متألفاً.
قال ابن إسحاق في وصف أبي بكر: (( وكان رجلاً مؤلفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق حسن ومعروف، وكان رجال قومه يأوون إليه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.. )).
وقد استثمر أبو بكر ثقة الناس به ومجالستهم له ومحبّتهم لمجلسه بدعوة من يثق به إلى الإسلام، فأسلم على يديه في الأيام الأولى طليعة أهل الإسلام وهم: الزبير بن العوّام، وعثمان بن عفّان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف. وهؤلاء من العشرة المبشرين بالجنة على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولاشك أن أهل بيته كانوا من أوائل من دخل في الإسلام، للحديث المخرج في البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: (( لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين )).
وذكر أن ممن أسلم على يد أبي بكر: مصعب بن عمير، وعيّاش بن أبي ربيعة، والأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد، وعثمان بن مظعون الجمحي.
الدروس والعبر:
1- بيان أثر مجالسة الأخيار وصحبتهم وبركتها على من جالسهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه اكتسب هذه المكانة من إيواء الرسول صلى الله عليه وسلم له دون سائر إخوانه، وأبو بكر من صحبته وصداقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- أثر الأخلاق الحسنة في تأليف الناس، وخير الناس من يألف ويؤلف، أما الجفاء والغلظة فكثيراً ماتكون عائقاً في طريق الدعوة.
3- لاشك أن أصحاب الجاه والمال لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة.
4- إن قيام أبي بكر بالدعوة إلى الله تعالى يوضح صورةً من صور التفاعل بهذا الدين والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم صورة المؤمن الذي لا يقرّ له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في واقع الحياة ما تشبّع به وآمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعةً عاطفيةً مؤقتةً سرعان ما تخمد وتذبل وتزول.
5- يلاحظ أن الإسلام انتشر في جميع عشائر قريش فلم يعتمد على القبلية التي كانت إذ ذاك محور الحياة عند العرب، فلم يكن نصيب بني هاشم أكثر من غيرهم في الإسلام.
6- دخول مختلف القبائل في الإسلام وعدم اقتصاره على بني هاشم في بداية الدعوة حققت مصلحةً عظمى في عدم اعتباره عملاً يحقق مصالح العشيرة التي ينتمي إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلي من قدرها على حساب الآخرين.
7- أعان هذا أيضاً على انتشار الإسلام في جميع العشائر والقبائل دون أي تحفظات أو اتهامات شخصية للداعي أو الدعوة.
8- لقد كان الذين أسلموا في الطليعة الأولى ظلّوا دائماً في الطليعة في الحرب والسلم والسياسة والحكم أئمةً في العلم والفقه والفتيا والسابقين في سائر الأمور، فلم يكن عملهم فترة حماس وخبت وفترت وزالت، وإنما هي إيمان عميق يحرك العواطف والنفوس والعقول للعمل لهذا الدين. فلم تعرف تلك الطليعة راحةً ولا ترفاً ولا نوماً ولا كسلاً منذ أسلمت حتى لقيت الله تعالى رضي الله عنهم أجمعين.
9- لقد كانت هذه الطليعة غريبةً في ذلك المجتمع الجاهلي الذي يعجّ بالفوضى والفساد والانحلال، ولكن غربتهم ليست كالغربة المتعارف عليها من شعور الغريب بالضعف والذلّ والانكسار والرضى بالدون، والخضوع والضعة، لقد ربّى الإسلام فيهم روح العزّة والكرامة والاستعلاء والفوقية على الكافرين، ثم شعور بوجوب غزو هذا المجتمع الجاهلي وتقويض أركانه، يصاحب ذلك همة وثقة تامّة بنصر هذا الدين والتمكين له في الأرض، فكانوا يتسابقون للمشاركة في رفع راية الإسلام، ويهمّ الواحد منهم أن يكتب الله على يديه التمكين لهذا الدين.
الجهر بالدعوة
إن الدعوة لم تنـزل لتكون سرّيةً يخاطب فيها الفرد بعد الآخر، وإنما جاءت نِذارةً للعالمين وبشارةً للخلق أجمعين؛ لإخراج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، لقد أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعد محصور في مكة وقريش تكيد له وتعاديه أنزل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وإذا كان الأمر كذلك فإن الدعوة الإسلامية ليست خاصةً بقريش ولا بالعرب، وإنما هي رحمة من الله لجميع الخلق، فلا بد من الجهر بها، وإعلانها للناس، والسعي لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة.
وهذا يعني بداهةً أن من أبرز خصائص دعوة الإسلام: الإعلان، والصدع، والبلاغ، والنذارة، والبشارة، ويتحمّل أتباعها ما يترتّب على ذلك من الإيذاء والقتل وغيره.
لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات يدعو إلى الله تعالى سراً ثم أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين فأنذرهم، ثم أمره بالصدع بالدعوة فصدع بها.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: (( لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف يا صباحاه، فقالوا: من هذا. فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جرّبنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب عظيم. قال أبو لهب: تباًّ لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام. فنـزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} )).
وفي تفسير سورة الشعراء من البخاري: (( قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا )).
وعن أبي هريرة قال: " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: (( يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً )).
الدروس والعبر:
1- بداية الأقربين بالدعوة حتى لا يكونوا حجةً للأبعدين، والحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم، وهم أولى بالبر والخير بالنسبة للداعي من غيرهم لما في ذلك من صلة الرحم.
2- دعوة الأقربين بيان للناس عدم محاباة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، وبيان صدق ما جاء به إليهم حيث خصّ بما جاء به أقاربه وأهل بيته قبل غيرهم من الناس.
3- إعلان الرسول صلى الله عليه وسلم المنهج الإسلامي من أول يوم في منازل الناس وأن جزاءهم عند الله ونصيبهم في الإسلام يكون بقدر طاعتهم، فالأنساب والبقاع لا تزكي أحداً. فأبو لهب هو الشخص الوحيد من قريش الذي ذكر باسمه في القرآن في معرض المقت والوعيد فلماذا؟ لقد اجتمع لأبي لهب عدة مزايا، فشهر بجمال الوجه، ورزق الثروة، وكان له الشرف والجاه، كما كانت له القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعلّ اختصاصه بذكر الاسم لبيان أن أياًّ من هذه المزايا لا تغني عن صاحبه من مقت الله وعذابه إذا خالف أمره.
4- إذا كان سيد العالمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لسيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنها شيئاً فكيف بغيرها.
5- لا شك أن النتيجة القريبة المباشرة للجهر بالدعوة هي الصدّ والإعراض والتكذيب والإيذاء والسخرية، والرسول صلى الله عليه وسلم قد وطّن نفسه على ذلك كلّه ويعرف تلك النتيجة مسبقاً، ولكن ليست هذه هي كل النتيجة، فما بعدها هو المطلوب والمقصود.
6- إن الجهر بالدعوة ينقلها من مكان مغلق إلى الهواء الطلق والميدان الرحب، وممن سيساهم في نقل الدعوة هم أعداؤها عن طريق التحذير منها، والناس ليسوا كلّهم تقليديّين إمعات يتبعون ما تقوله قريش، وهناك أمثلة من إسلام بعض القبائل بسبب ما سمعوه من سبٍّ للرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته فحمله على الاطلاع على الأمر من قرب فدخلوا فيه.
7- قد تفقد الدعوة في بدايتها وسائل الإعلام المطلوبة للتبليغ ولكن أعداءها قد يقومون بجزء من ذلك نيابةً عنها وذلك بما تثيره على الدعوة من كيد وشبهات.
مقاومة قريش للدعوة
لا شك أن إعلان الدعوة إلى التوحيد في أوساط قريش قد أزعج قريشاً ورأوا فيها معتقداً يهدد معتقداتهم الموروثة التي عشعشت في عقولهم، ويهدّد مصالحهم العامة التي بنيت على تلك المعتقدات الباطلة واستفادوا منها مركزاً بين القبائل العربية. فانتصب المشركون لعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ومقاومة دعوته وإلحاق الأذى به وبأصحابه، وكان أصحابه وهم في الجاهلية يأنفون الذل ويأبون الضيم، ويتفاخرون بالأخذ بالثأر حتى كانوا يثأرون لقتل جمل كما في حرب البسوس، أو إذلال فرس كما في حرب داحس والغبراء، ولما جاء الإسلام رفع من مكانتهم وزاد في عزّتهم، ولكن جاءهم مالم يكونوا يعرفونه أو يألفونه من الضيم والظلم والإذلال، فيرون بِلالاً يجرّ في الشوارع، وياسر وسمية يقتلان علناً، وأفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلحق به أشد أنواع الأذى فيبصق في وجهه الشريف، ويوضع على ظهره وهو ساجد فرث الجزور وسلاها ودمها، ويضربونه حتى يغمى عليه وتسيل الدماء من جسده الشريف، ويستهزئون به، ويصفونه بالجنون والكهانة.
اتهموه بالجنون كما قال سبحانه: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}
فأراد الصحابة الانتقام والأخذ بالثأر ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم - على الرغم من شدة ما يواجهونه من الأذى والضرر - أمرهم بضبط النفس والتحلي بالصبر، وعدم الرد بالقوة، أو مقابلة العدوان بالعدوان حتى اشتكوا إليه فقالوا: كما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا رسول الله: (( إنا كنا في عزّ ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلّة، فقال: (( إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا )) فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال، فكفوا، فأنزل الله عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}الآية.
وكانت أولى آيات القتال الإذن به وفي هذا دلالة على المطالبة به والحرص عليه لشدّة ما صبروا قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.
وفيه دلالة على أن الصبر على الدعوة أشدّ من القتال والجهاد في سبيل الله تعالى بدلالة أن القتال جاء فرجاً مما يعانونه من الصبر على أعدائهم.
وأخرج الحاكم عن خبّاب قال: (( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع تحت شجرة، واضع يده تحت رأسه، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله على هؤلاء القوم الذين قد خشينا أن يردّونا عن ديننا، فصرف عني وجهه ثلاث مرات، كل ذلك أقول له فيصرف وجهه عني، فجلس في الثالثة، فقال: (( أيها الناس، اتقوا الله واصبروا فوالله إن كان الرجل من المؤمنين قبلكم ليوضع المنشار على رأسه فيشقّ باثنين، وما يرتدّ عن دينه، اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع )).
فهنا يطلب خباب من رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء عليهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر مع أن خبّاباً قد عُذِّبَ وأوذي أشد الأذى حتى كان يطرح على الجمر فما يطفئه إلا شحم ظهره رضي الله عنه.
وروى البخاري عن خباب بن الأرت قال: (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمرّ وجهه فقال: (( لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه. وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله - زاد بيان - والذئب على غنمه )).
وكانوا يؤمرون بالاستعانة على تحمّل الأذى والتعذيب بالصلاة التي هي عنوان الصلة الدائمة بالله تعالى، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}.
فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من سنة، فنـزل التخفيف.
وقد كانت بغية الشيطان في المواجهة والتصعيد، يشهد لذلك قصّة الزبير بن العوّام رضي الله عنه كما رواها عروة بن الزبير قال: (( إنّ أوّل رجل سلّ سيفه في الله الزبير بن العوام، نفخة نفخها الشيطان( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فخرج الزبير يشقّ الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، قال: مالك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت، قال فصلى عليه ودعا له ولسيفه )) وفي رواية أخرى (( فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل )).
وأصبح أهل مكة كل يوم في ازدياد في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأمر أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة ليسلموا من أذى قريش وقال لهم: (( إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد )).
واشتدت قريش في أذاها للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى حصروهم في شعب من شعاب مكة ثلاث سنوات لا يبيعونهم ولا يشترون منهم، حتى أكلوا ورق الشجر من شدة الحاجة.
hcenoo doux
أعضاء نشطاء
عدد المساهمات : 140 تاريخ التسجيل : 17/08/2012 العمر : 33 الموقع : جيجل=الجزائر
موضوع: رد: نفحة عبير من سيرة البشير النذير3 الخميس يناير 31, 2013 7:39 pm
جزاك الله الفردوس الاعلي
đσṩḭḡṇσṝ ḟḭcṫḭṓṇ
أعضاء نشطاء
عدد المساهمات : 171 تاريخ التسجيل : 31/01/2013 العمر : 26 الموقع : مصر
موضوع: رد: نفحة عبير من سيرة البشير النذير3 الأحد فبراير 03, 2013 12:40 pm