ذرية إسماعيل :
وبارك الله في ذرية إسماعيل فتناموا وصاروا قبائل، وانتشروا
في الجزيرة العربية، وصاروا يسمون العرب المستعربة، وقد بقوا على دين أبيهم
إبراهيم عليه السلام مدة من الزمن، ثم بدأ النقص عندهم، ودخلت عليهم البدع من
المجاورين لهم شيئاً فشيئاً، حتى دخلت عليهم عبادة الأصنام وكان أول من أدخل الشرك
إلى العرب عمرو بن لحي الخزاعي.
روى البخاري عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:
الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَلا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ
مِنَ النَّاسِ وَالسَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ فَلا
يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم: (( رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ
يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ )).
وفي المسند أيضاً
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أول من سيب السوائب وعبد
الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وإني رأيته يجرّ أمعاءه في النار )).
انحراف العرب عن الحنيفية :
ترك العرب دين أبيهم إسماعيل، وابتعدوا عن الحنيفية دين
أبيهم إبراهيم، وانتشرت بينهم عبادة الأصنام والأوثان، وعددوا فيها إلى حد يثير
السخرية؛ حيث كان الواحد منهم في سفره يجمع أربعة أحجار ثلاثةً لقدره وواحداً
يعبده، وإن لم يجد حلب الشاة على كوم من تراب ثم عبده.
روى البخاري عن أبي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ يَقُولُ:
كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ
أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الأخَرَ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا
جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ
طُفْنَا بِهِ فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا مُنَصِّلُ الأسِنَّةِ فَلا
نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ
شَهْرَ رَجَبٍ وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم غُلامًا أَرْعَى الإبلَ عَلَى أَهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنَا
بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
وقد عبد قبائل من العرب الشمس والقمر، والملائكة والجن،
والكواكب، وبعضهم عبد أضرحة من ينسب إليهم الصلاح. قال ابن عباس رضي الله عنهما في
قوله تعالى {أفرأيتم اللات والعزى} قال: كان رجلاً صالحاً يلت السويق للحاج فلما
مات عكفوا على قبره.
مقاصد العرب في عبادة الأوثان
وكانت العرب تقصد بعبادة الأصنام عبادة الله والتقرب إليه
عن طريقها، أو بواسطتها، وهم على طرق مختلفة؛ فبعضهم يقول: ليس لنا أهلية لعبادة
الله تعالى بلا واسطة لعظمته، فاتخذناها لتقربنا إلى الله، وفرقة قالت: إن
للملائكة عند الله جاهاً ومنـزلةً فاتخذنا أصناماً على هيئة الملائكة لتقربنا إلى
الله، وبعضهم جعلوا الأصنام قبلة في عبادة الله مثل الكعبة قبلة في عبادته، وفرقة
أخرى اعتقدت أن على كل صنم شيطاناً موكلاً بأمر الله، فمن عبد الصنم حق عبادته قضى
الشيطان حاجته بأمر الله، ومنهم من يقصدون بذلك شفاعتهم عند الله، واتخاذهم زلفى إليه
سبحانه. قال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
الله زلفى} وقال تعالى عنهم: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}.
هل كانت العرب تعتقد في أصنامها النفع أو الضر؟
روى الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قال
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي: (( يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ
إِلَهًا قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ
قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ قَالَ: الَّذِي فِي
السَّمَاءِ قَالَ: يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ
كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ: قُلِ
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي )). قَالَ أَبُو
عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
بل كانوا عند الشدائد ينسون آلهتهم ويتخلون عنها كما قال
تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
بقايا شريعة إبراهيم عند العرب
وقد بقيت في العرب بقايا من سنن إبراهيم وشريعته ومن ذلك:
خصال الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام،كالاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف
الإبط وحلق العانة والختان.
وكانوا يغتسلون للجنابة، ويغسلون موتاهم ويكفنونهم، وكانوا
يصومون يوم عاشورا، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، ويمسحون الحجر
ويلبون إلا أنهم يشركون في تلبيتهم يقولون: (( لبيك لاشريك لك إلا شريكاً هو لك
تملكه وما ملك ))، ويقفون المواقف كلها، ويعظمون الأشهر الحرم.
وكانوا يحرمون نكاح المحارم، وعملوا بالقسامة، واجتنب بعضهم
الخمر في الجاهلية وكانوا يغلظون على النساء أشد التغليظ في شرب الخمر.
وهم على اعترافهم بالله وبعظمته وبتدبيره للأمور، وأنه
الرازق الخالق المحيي المميت، وأن جميع الخلق تحت قهره وتصرفه، إلا أنهم اتخذوا من
دون الله وسائط يزعمون أنها تقربهم إلى الله زلفى قال تعالى: {قُلْ مَنْ
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ
مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا
تَتَّقُونَ} وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلا تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ
وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.
فهم بذلك يشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له،
وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو،
وأن جميع السماوات ومن فيهن والأرضين ومن فيها عبيده وتحت تصرفه وقهره، ومع ذلك
يشركون به ويدعون معه غيره، بل كانت الكعبة - وهي بيت الله المعظم - عندهم يحيط به
ثلاث مائة وستون صنماً.
تلك الحياة الجاهلية بكل صورها وفي جميع أماكنها وبقاعها،
قد صورها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث العظيم الذي رواه عنه عياض بن حمار
المجاشعي حيث قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:
(( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا. كل مال نحلته عبداً،
حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.
وحرمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله
نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب... )).
فالحديث يشير إلى انحراف الناس عن الشريعة ونبذها وراءهم
ظهرياً، واختراع أنظمة وقوانين من عند أنفسهم، فحرموا الحلال وأحلوا الحرام (( كل
مال نحلته عبداً، حلال.. وحرمت عليهم ما أحللت لهم )) وهذا رد على ما شرعوه من
السوائب والوصيلة والحام والبحيرة، مما يدعونه لآلهتهم، وقد شرع الله أن كل مال
رزقه عبداً من عباده فهو حلال له.
كما يوضح الانحراف عن التوحيد والردة الكاملة عن الدين،
أنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.. وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينـزل به
سلطاناً، كما يشير إلى الفساد العظيم الذي غطى وجه الأرض مما استحق الناس مقت الله
لهم جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب.
وأصبحت البشرية بحاجة ماسة إلى منقذ لها من الضلالة إلى
الهدى ومن ظلمة الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، ومن الشقاء إلى السعادة في الدنيا
والآخرة.
الاصطفاء
في هذا الجو القاتم والزمان المدلهم بالشرك بعث المصطفى صلى
الله عليه وسلم.
أتيت والناس
فوضى لا تمر بهم *** إلا على صنم قد هام في صنم
مسيطر الفرس
يبغي في رعيته *** وقيصر الروم من كبر أصم عمي
وفي صحيح مسلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى
قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم )).
وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ
بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ
)).
وروى أحمد عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الله نظر في قلوب
العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فبعثه
برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه
خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو
عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيئ.
نسبه الشريف
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن
خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من نسل إسماعيل
عليه السلام.
ولادته ونشأته صلى الله عليه وسلم
ولد يوم الاثنين كما ورد ذلك في صحيح مسلم لما سئل عن صيام
يوم الاثنين قال: (( ذاك يوم ولدت فيه )).
في عام الفيل وهو أرجح الأقوال.
وتتفق رواية مسلم مع ابن إسحاق في كون والده مات وهو حمل في
بطن أمه.
وفي الصحيحين أن ثويبة مولاة أبي لهم قامت بإرضاعه صلى الله
عليه وسلم.كما أرضعته مولاته أم أيمن وقد أعتقها عليه الصلاة والسلام بعد ما كبر.
أما رضاعه من حليمة السعدية في بني سعد فهذا مما استفاض
واشتهر، وقد ورد استرضاعه في بني سعد بسند جيد من طريق ابن إسحاق. تقول حليمة
السعدية مرضعته لما أخذته من أمه: (( فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء
من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك،
وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا أنها لحافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى
انتهينا رياً وشبعاً فبتنا بخير ليلة (إلى أن قالت) ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني
سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به
معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولايجدها في ضرع.. فلم
نزل نتعرف من الله الزيادة والخير )).
فأنزل الله عليهم البركة في أنفسهم وأموالهم بسبب قيامهم
بأمر صفيّه وحبيبه صلى الله عليه وسلم.
تهيئته لحمل الرسالة
ثم كانت تلك الحادثة العظيمة في بني سعد في شق صدره ونزع حظ
الشيطان منه تهيئةً له لتحمل الرسالة:
روى ابن إسحاق بسند جيد أن الصحابة سألوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن نفسه فقال: (( نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليهما
السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في
بني سعد بن بكر، فبينا أنا في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من
ذهب مملوء ثلجاً، فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء
فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال
أحدهما لصاحبه. زنه بعشرة من أمته. فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من
أمته. فوزنني بمائة فوزنتهم. ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنني بألف فوزنتهم،
فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم )).
وروى مسلم عن أنس بن مالك: (( أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه،
فاستخرج القلب واستخرج منه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان، ثم غسله في طست من
ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره
- فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر
ذلك المخيط في صدره )).
كفالته بعد وفاة والدته
وقد ماتت أمه وعمره ست سنوات، فكفله جده عبد المطلب ثم مات
بعد سنتين فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله عمه وحنّ عليه ورعاه.
وقد شب مع عمه أبي طالب تحت رعاية الله وحفظه له من أمور
الجاهلية وعادتها السيئة. (( فكان أفضل قومه مروءةً، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم
مخالطةً، وأحسنهم جواراً، وأعظـهم حلماً وأمانةً، وأصدقهم حديثاً، وأبعدهم من
الفحش والأذى، ما رؤي ملاحياً ولا ممارياً أحداً، حتى سمّاه قومه الأمين، لما جمع
الله فيه من الأمور الصالحة )).
إرهاصات وعلامات نبوته:
وقعت عدة أحداث كانت بمثابة إرهاصات وعلامات ودلالات على
نبوته صلى الله عليه وسلم ومنها:
1- تسليم الحجر.
فعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن )).
2- الرؤيا الصادقة.
أما الرؤيا الصادقة فكما روت عائشة رضي الله عنها أن أول ما
بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لايرى رؤيا إلا
جاءت مثل فلق الصبح.
3- العزلة والتحنّث.
لقد حبب إليه الخلوة فكان يخرج إلى غار حراء فيتحنّث فيه
وهو التعبّدُ اللياليَ ذواتِ العدد. كما في الصحيحين.
وفي التعبّد درس للمسلم والداعية ليستعين بعبادة الله تعالى
على مقاومة نزعات النفس، وشهواتها، ومغريات الحياة وأعراضها، ويتحمل مشاقّ الدعوة
ومشاكلها وشدائدها، ويصبر على تربية الناس وتوجيههم وما يصدر عنهم من إعراض أو
مشاقّة للداعية.